Sunday, May 04, 2008

ربنا يديم المحبة

هي، أقابلها كل يوم. في الصباح نشرب القهوة، أحكي لها عن أخبار اليوم الفائت وتحكي لي. في الظهيرة نتغذى سوياُ ونتحدث عن الحمية الغذائية التي سنتبعها في يوم من الأيام، نضحك كثيراً، نضع خطط المساء، وخطط لنهاية الأسبوع، لا ننفذ أي من الخطط ,ونعود في الصباح لنحكي أخبار اليوم الفائت.ذ

ثم تتغير الأحوال ... لا نعود نتقابل في الصباحات، ننشغل بأشياء أخرى. ذ

هو، أقابله أحياناً في الأحداث الثقافية. لأننا أصدقاء ولكننا لا نرى بعضنا البعض كثيراً، أصبحنا نتقابل على برامج الدردشة في الإنترنت، أحدثه كثيراً... من آن لأخر نستشير بعضنا البعض في أمور مهمة أو غير مهمة، نتبادل الأغاني والأفلام ورابط الأخبار المثيرة.ذ

ثم يسافر فجأة .. يقرر أن السفر أجدى.ذ

أفكر فيهما – المذكوران بالأعلى – وغيرهما. في الأيام الأخيرة أخذت تشغلني كثيراً أوضاع الناس في حياتي، فكثيراً ما أجدني أفكر في الذين ذهبوا والذين راحوا والذين تبدلوا وجاء غيرهم. المذكوران بالأعلى كانا هناك غيرهم، قبلهم. والذين قبلهم كان هناك قبلهم، دائماً تتغير الظروف ويحل أناس في مواضع ناس ويأخدون أماكنهم.ذ

رغم أني لم أعد أستشعر الصباحات كما كانت حيث أني الأن أتبادل أخبار الصباح مع أخرين، وأشرب القهوة مع أخرين، كما أني استشير شخص أخر في الأمور المهمة و غير المهمة .. إلا إنها مازالت صباحات ومازالت قهوة ومازالت استشارات. فكما يحل الناس في أماكن ناس، كما تستحدث مذاقات جديدة للحياة تطغى على مذاقات سابقة. ذ

نفس المساء الذي سافر فيه الصديق، كنت أمر وحيدة بين رفوف الخشب في مكتبة الكتب الشهيرة لا أبحث عن شيء معين. منذ حوال عشرة أعوام كنت أمر مع صديقة أيام الجامعة بين رفوف من الألومنيوم القبيح في معرض كتب الأطفال الذي يقام في نوفمبر من كل عام، نستمتع بتلاكيك التسرب من الجامعة في صباح خريفي لنبحث عن قصص أطفال مكتوبة باللغة الإيطالية نتحايل بها كوسيلة لتعلم اللغة. ألتقط كتاب من على أحد الرفوف على غلافه رسومات كرتونية لمجموعة أشخاص وعنوانه "الأصدقاء"، على ظهر الكتاب نبذة عن قصة مجموعة أصدقاء كانوا معاً في المدرسة فرقتهم السنين ثم عادوا ليتلقوا بعد زمن. أشير علىها بالكتاب مؤكدة أن كم هي فكرته ظريفة، لكنها لا تأخذه وتعلق متهكمة أني أحب كل ما يتحدث عن إعادة اللقاء كما أني مهوسة بأفكار استعادة الماضي. ذ

في عقلي أتمتم "استعادة الماضي .. استعادة الماضي".. لأن هناك حنين .. حنين للزمن الذي مضى، حنين للأشخاص، حنين لمشاعر تحركها فترة ما، ولأننا ندرك بعد فترة أن اللحظات الفائتة لا تعود. ذ

بالمناسبة أنا لم أحدثها منذ عدة شهور ... ذ

أبحث بين محطات الراديو عن مزاج معين، عن أغاني أجنبية كنت أسمعها في ذلك حين، أيام الجامعة ... لم نكن نسمع غير الإذاعة الأوروبية في ذلك الوقت، نرسل عبرها الاهداءات لبعضنا البعض، لم نملك وقتها تليفونات محمولة ولم يكن الانترنت سلعة رائجة ودائماً ما كان يتعذر بيننا الاتصال أيام الأجازات فكنا
ذ sealed with a kiss كل عام نودع بعضنا البعض بأغنية
وتتلبسنا قصة الصديق الذي يترك صديقته بانتهاء الدراسة مع بداية الصيف واعداً أن يرسل لها كل يوم محبته في رسالة مختومة بقبلة. ذ

اللحظات الفائتة لا تعود، مثل احساس أول قبلة الذي لا يعود .. هذا بالأخص لا يمكن استعادته. هذا بالأخص مذاقه يزول مع اكتشافات أكثر وعورة ويظل له ذكرى لذة الاكتشاف الذي تبخر.ذ

منذ شهر اجتمعنا في منزل صديق نبارك له على مولود جديد، طفله أصلاُ تخطى العام ولكن الانشغالات لم تسمح بأسرع من ذلك. جلسنا يومها نتحدث ونثرثر ولكنى أفتقدت شيئاً ما، لم أفسره، فقط ظل يكبر مع إطالة الجلسة حتى تحول إلى إحساس محزن من الخواء. ربما هو الشعور بأننا تغيرنا، ربما هو الرعب من حقيقة أننا نتغير، ربما لأن ثرثرتنا لم تعد محلقة كما كانت. أردت بشدة أن أحملنا كلنا من أماكننا الحالية وأودعنا في مشهد سابق. في صورة معلقة بذهني طالما ظلت تؤرقني استعادتها، فلربما يتجدد معها الشعور المفقود. ذ

ليس كل ما مضى جميل، فكل عام مضى حمل شيئاً من الذكريات البغيضة والقرارات السلبية، هذه خلافات التي تحولت إلى لعنات والمناوشات التي انهتها المقاطعات. وبعد حين تصغر الخلافات وتنعدم فلا نذكرها ولكن يبقى الفراق. ذ

لأن الناس مثل السنين، كلما بعدت كلما غامت التفاصيل فلا نرى بعدها إلا الصورة الكبرى للأحداث. نفس السبب الذي يجعلنا ونحن في الجامعة نكرهها مؤكدين أن المدرسة كانت أجمل سنين العمر، ثم نتخرج فنعجبنا سنوات الجامعة بعد أن كنا نلعن أبوها. كذلك في رحلات السفر، وقتهاأفكر في المال الذي صرفته، وفي أقدامي التي هدها التعب، في صداع أصابني، في خلافات مع مجموعة متنافرة لنقرب رغباتانتا في قضاء الوقت، وبعد أن يمر الزمن أقسم أنها كانت أسعد اللحظات. كما في المناسبات، كما حفلات الزفاف، وقتها يشغلني شعري الذي يبدو غير متساوي، أو فستاني الذي يبدو ضيقاً، أو قريبتي التي كلمتني بطريقة غير لائقة، والأغاني السخيفة التي سمعناها، وبعد أن ننتهي لا أتذكر إلا الحلم الذي تحقق ولا يعلق بقلبي إلا الفرحة صادقة. ذ


أمضي قدماً ... لا يهم تصنيفات الناس في حياتي، لا يهم ماذا كانوا وكيف صاروا .. الأهم أني أنسى ولا أعود أتذكر … المهم ألا تطاردني الصور المعلقة بذهني والتي أبداً لا تعود. المهم أن بيننا بواقي محبة… ذ

على محطة إذاعة الأغاني يصدح عبد المطلب بصوته الجهور "يا أهل المحبة ادوني حبة" وأنا في سري أتمتم بس الأهم إن ربنا يديم المحبة ...ذ
ذ