Thursday, February 28, 2008

ألِـيس في المنطقة الصناعية


تصل إلى عملها الجديد صباحاً وهي تتقافز من أثر شحنة النشاط والأمل التي تنبعث تلقائيا من حقائق بديهية مثل البدايات الجديدة والتحديات الصعبة والصباحات المنيرة وإلى آخر ذلك من العوامل الوردية... ذ
تجلس بعد بضعة أيام في المصنع تلبية لنداء إجتماع يجب عليها متابعته باعتبارها مديرة هذه العلامة التجارية في قسم التسويق والذي تسلم العلوم الحديثة بضرورة كونه - القسم - المحرك الأساسي لمستقبل الشركات وبالتالي المنتجات والأهم من ذلك العلامات التجارية.ذ
يجلس حفنة من المهندسين الأفاضل المؤمنين تماماً بعدم تلقي غيرهم لتعليم جامعي، فكل من دونهم ببساطة "مكملش تعليمه" وخاصة واحدة مثلها أختارت دراسة جامعية أدبية ألحقتها فيما بعد بدبلومة في إدارة الأعمال على سبيل المعالجة التي لم تشفع لها كثيراً عند الباشمهندسين. ذ
بحماس يندفع أحدهم موجهاً الكلام لها ولجاهل أخر من قسم التسويق "يا أساتذة ... الفتاحة يعني هاتاخد كهرباء منين ؟؟!! يعني يا إما الشكل هيفضل كده عشان الترمومتر الديجيتال اللي يبقيس قوة الفتح يسحب كهرياء من البطارية الي وراه، يا إما نعمل عمود في ظهر الجهاز يسحب الكهرباء من تحت لمكان الترمومتر "ذ
في ذهول تهز رأسها موافقة .. وتفكر "العيال دي ضاربه بانجو باين" *ذ
بعد عدة أسابيع، يجتمعون كلهم عند أحد المديرين، أخذ يشرح لهم – أفراد القسم - التبعات الاقتصادية التي لحقت بشركتهم من أثر ارتفاع أسعار الحديد في العالم كله "لما أسعار الحديد ارتفعت، سعر الصــاج المستخدم في صناعتنا بالتالي ارتفع .. وعليه المنتجات كلها هيزيد سعرها وتوصل في أخر السنة إلى 15% زيادة ..."ذ
يهمهم بعضهم ويستفسر آخرون عن تفاصيل
يوضح "لما المورد الرئيسي للحديد اللي في ألاسكا غرق، والتاني اللي في الصين عنده عجز في الإمداد ... حصلت المشكلة .. ولأن حركة البناء مزدهرة حالياً الطلب زاد أكتر وبالتالي أثر ده علينا في مصر وعلى كل المنافسين"ذ
تفكر "دي نظرية تأثير الفراشة** .. تأثير الفراشة ... قريتها قبل كده ... الفراشة رفرفت بجناحنها هناك
في ألاسكا، قام المورد غرق، بعدين أسعار الحديد ارتفعت، ووراها أسعار الصاج ، وكده فتاحات المعلبات اللي احنا بننتجها هتغلى" ذ
بدا لها الأمر غير منطقي فتسرح وراءه .. "هو في فراشات كفاية في ألاسكا عشان فتاحات المعلبات في مصر تغلى؟"ذ
يكمل المدير "عايزنكم تفكروا في أكثر من سيناريو لتطبيق ارتفاع الأسعار، خلوا بالكم لازم تستعملوا نظريات مصفوفات التسعير مفيش تسعير من غير تطبيق المصفوفة"ذ
تعقد حاجبيها في محاولة للتركيز... "يعني تفرق إيه لوللو من أبوللو .. ماهو ده اللي بيعقد العيال"*** ذ
ولأن ملحوظتها العقلية جاءت هذه المرة عالية نوعاً ما، فخضعت تلقائياً لنظرية تأثير الفراشة. فما كان من ملحوظتها إلا أن سمعها أحد الزملاء فانفجر ضاحكاً وتبعه الأخرون .. وعليه استحال وجه المدير إلى الأحمر القاني وتبع ذلك صراخ متتالي لا متناهي ومعه مصفوفة من التوبيخ
ولمدة أيام، ظل وجه المدير يطالعها يومياً في جهامة وبرودة لوح من الصاج كالذي ارتفع سعره مؤخراً !!ذ
ذ ________________________________
ذ* جملة على لسان عادل أمام من فيلم السفارة في العمارة موجهة إلى أحد أفراد الأسرة اليسارية يصف له موقفاً ما بالديـماجوجية

ذ** نظرية تأثير الفراشة: ظاهرة تقول بأن الحركة البسيطة لجناح فراشة يمكنها أن تحدث تغيراً في الجو وتؤدي في النهاية إلى حدوث إعصار (أو منع حدوثه) في مكان أخر. ويطلق المسمى قياساً على الأمور الصغيرة التي قد تحدث تأثيرات كبيرة على أشياء أخرى

ذ*** جملة على لسان علاء ولي الدين من فيلم الناظر يعلق فيها على تعقيد التعليم بالنسبة للأطفال تدقيقاُ على اسم مدرسة أبوللو الأدبية

Sunday, February 17, 2008

السدود بين البشر


وحين خرجت من عملي ذلك اليوم وجدت أن أمامي بعضاً من الوقت المتاح قبل موعد ما وجب على ادراكه. أغير مساري اليومي إلى شارع اخر حيث أمر لأشتري بعض الأغراض غير الضرورية فأملأ الوقت القليل الفارغ.ذ
أمر في الشارع الرئيسي فألمح صديق قديم يحاول العبور أثناء مروري، أخذت بعض الوقت لأتعرف عليه مزيلة آثار خمس سنوات مضت منذ آخر مرة رأيته .. وهو أثناء عبوره لم يلحظني.ذ

ارتفعت بشدة الرغبة في ارتكاب التصرفات غير المبررة، فأغير مساري - مرة أخرى - في محاولة لمتابعته بعد أن فشلت المحاولات الأولى لبوق سيارتي في جذب إنتباهه. ألف بسيارتي في الملف التالي عائدة إلى الناحية الآخرى من الشارع حيث اتجه هو. أمر أمامه وهو يدلف لسيارته واستخدم بوق السيارة مرة آخرى ولكنه أيضاً لا ينتبه، يلح الطريق من خلفي فلا يمهلني أكثر من لحظات أضطر بعدها إلى متابعة تحركي بالسيارة إلى الأمام.ذ
الملف التالي بعيدٌ نوعاً ما ولكني أصر على الملاحقة.ذ
أسرع بسيارتي، وألف إلى الناحية الأولي. انظر يساري فأجد سيارته مازالت قابعة في الناحية المقابلة. أتابع إلى الملف مرة آخرى وأمر أمامه في محاولات مستميتة باستخدام الأصوات والأضواء المتاحة في سيارتي. أرفع يدي ملوحة يميناُ ويساراً ولكنه أيضاً لا ينتبه، فأضطر في النهاية إلى الرحيل خجلاً من نظرات الركاب و السائرين حولي.ذ

مرة أخيرة أسرع إلى الملف الأول ثم الملف الثاني وأصل إلى البقعة المرصودة وأجد أن سيارته اختفت مخلفة مكانها فراغ كبير غير مفهوم من خيبة الأمل ...ذ

أكمل بعد ذلك طريقي إلى غايتي الأولي غير مكـترثة كثيراً لتصرفي السابق .. ولكني وأنا أشتري أغراضي أتذكر أنني حين قابلت ذلك الصديق آخر مرة منذ خمس سنوات فإنه أخبرني عن عمله في شركة متعددة الجنسيات والتي مقرها في الشارع الرئيسي الذي مررت به منذ دقائق. ربما إن غيرت مساري في الأيام التالية متصيدة موعد الخامسة والنصف قد ألمحه مرة آخري نازلاً من المقر، عابراً الشارع إلى الناحية الآخرى، دالفاً إلى سيارته، وقد يتسني لي وقتها محادثته

مرت بضعة أيام، لم أغير فيها مساري اليومي ...ذ

وحين نزلت متعجلة ذلك اليوم من منزلي الكائن في مدينة سكنية جديدة لها أسوار تحددها، كان الميعاد غير معتاد حيث أن اليوم عطلة رسمية. أحمل معي كيس به ملابس علىّ إرسالها للكواء، فأمر في طريقي على محل التنظيف الجاف الذي نتعامل معه والكائن بالسوق التجاري المقام في المدينة.
أركن سيارتي وأنزل متجهه إلى المحل الصغير. وأثناء تحركي السريع نحو الرصيف المؤدي للمحل الصغير، ألمح صديق قديم لم أقابله منذ خمس سنوات وإن كنت رأيته صدفة منذ بضعة أيام يحاول عبور الطريق الرئيسي. كان الصديق واقفاً مغلقاً باب المحل الصغير بجسمه الضخم وهو ينهي أمراً مع العاملين بالداخل.ذ


للصدف وحدها كلام يعلو فوق كلامنا ...ذ

حين أصل إلى باب المحل ملقية السلام بصوت عالى، يفسح الصديق جسمه الضخم عن باب المحل .. وقتها يلحظني ويتعرفني دون عناء أضواء وأبواق السيارات.ذ

نتحدث سريعاً عن أني أسكن هنا وهو يسكن هنا، وعن زوجي وعن زوجته، وعن طفلته، وعن أن ليس لدي أطفال بعد ... نقول هذا وثلاثة من عمال محل الكواء يطالعوننا من خلف طاولة العمل وهم يبتسمون ابتسامات واسعة مفادها قصص يرسمها خيالهم.ذ

نتحرك إلى حيث تقف سياراتنا، أتلكأ قليلاً لأعطيه بعض الوقت، يلتفت بعد لحظة ليخبرني أن زوجته لن تستطيع التحرك من السيارة لأن الطفلة نائمة. أخبره على مضض أنني سأتي لأتعرف عليها.ذ

يجري التعارف سريعاً بيننا. هي تبدو غير مرحبة في حين بدا هو متوتراً.ذ

أبتعد راحلة وأنا أرفع صوتي مطمئنة بأن للأسف زوجي ليس معي الآن لأعرفهم عليه.ذ

يسألني بصوت منخفض وأنا أبتعد عن رقم هاتفي المحمول وأخبره أن الرقم لم يتغير، يؤكد بعدها أنه سيحادثني قريباً لنتبادل الأرقام والحديث.ذ

أحييه راحلة ولا أخبره أني رأيته منذ ثلاثة أيام في الطريق الرئيسي عند مقر عمله ... ذ

أكمل بعد ذلك طريقي إلى غايتي الأولي غير مكـترثة كثيراً لتصرفي السابق .. ولكني وأنا أقود سيارتي أتذكر أنني حين قابلت ذلك الصديق آخر مرة منذ خمس سنوات فإنه أخبرني عن حجز شقة في مشروع سكني جديد. ربما إن غيرت مساري في الأيام التالية متصيدة المواعيد الغريبة للأجازات الرسمية قد ألمحه مرة آخري أمام محل التنظيف الجاف، مغلقاً الباب بجسمه الضخم، منهيناً أمراً مع العاملين بالداخل، وقد يتسني لي وقتها محادثته.ذ

تمر أيام، ولا أغير مساري اليومي ... ذ