الصورة بالأعلى وصلتني على البريد الالكتروني
حتى لا نعتاد الأخبار و نألفها .. و حتى لا تتحول الجثث إلى أرقام نحصيها و الصواريخ إلى أصوات نهلل لها .. و حتى لا يصبح لبنان الضحية مجرد أحداث لحرائق لا تعنينا .. و حتى لا يصيب الاجتياح أنفسنا أكثر من ذلك .. و حتى نذكر انفسنا بالعهر العربي المتواصل
اراجع أسماء الكتب على الرفوف.. ابحث عن الكتاب* المعني .. و اقرأ
"
لا شيء غير الدبابات و القنابل تطير و تدك ، و الطائرات تقصف و جنود اسرائيل الأصحاء يبتسمون في وجهي على الشاشة و هم يرفعون رشاشاتهم بعلامات النصر و في المخيمات يجري الأطفال العرايا و الأمهات بالشباشب البلاستيك و هن يلطمن الوجوه وسط أكواخ انزلقت أسقفها على جدرانها لتصنع أكوام مهوشة من التراب و الطوب و أسياخ الحديد الملتوية وسط دخان أسود و دخان أبيض
و مصر تعرب عن الأسف و لجنة الاقتصاد تعقد اجتماعاً لبحث الخطة الخمسية . و صور تسقط و صيدا تسقط و مخيم عين الحلوة يباد و مخيم الرشيدية و مخيم المية مية كلها تسقط و تحترق ، و السعودية تعرب عن الأسف و تعلن ثبوت رؤية الهلال و تبعث رسائل للملوك و الرؤساء . و الجزائر تستنكر و تعلن تيسيرات جديدة للمستثمرين الأجانب. و الطائرات فوق بيروت - 200 قتيل و 400 جريح و 90 قتيلاً و 180 جريحاً .. أرقام تنقلها الأخبار لا غير .. و شارع بأكمله يحترق و تفقد كل عمائره واجهاتها بعد ضربه بالقنابل الفراغية و تبدو في الصور بقايا الحياة في الغرف العارية
"
مازالت حياتنا حياة مخزية مستمرة .. في مصر و تونس و الجزائر و سوريا و الخليج و كل الوطن .. ملامح الاجتياح السابق هي ملامح الاجتياح الحالي .. هل اختلف شيء.. لا اعتقد فالنص بالنص يصف حالنا المخزي.ذ
تقول ريما مكتبي مراسلة العربية في أوائل أيام الحرب الحالية على لبنان أن صوت القنابل اختلف عن صوت القنابل التي سمعتها سابقاً و حين تساءلت هي و فريق عملها يجاوبونها مفسرين أن هذه القنابل لا تقصف بل هي تخلخل الهواء من المنازل فتنهار على ساكنيها
,
تصدح ماجدة الرومي في أغنية قانا التي تعود للتسعينات .. أين ستهربون من ردة الغضب .. .. .. و لأن للغضب عناقيد .. أصبح أيضاً له مواسم يوالينا بها .. جاء الموسم الثاني بعد حوالى عشرة أعوام .. قانا مرة آخرى .. قبل أن ننسى الأولى جاءت قانا الآخرى
ظللت انتظر ردة الغضب .. فلا جاءت الردة و لا جاء الغضب .. كل الاستمرار مستمر، حالنا منذ قانا الـ 96 مستمر إلى قانا الـ 2006 .. نحن نحن نرتد من سىء لأسوأ .. حتى معدلات الشجب انخفضت .. و أصبحنا أكثر جرأة و أقل حياء فلا نشجب أصلاً و لا نندد كثيراً
,
لماذا قانا سأل مراسل الجزيرة للسيدة الجنوبية الناجية من الدمار .. ترد من وسط صراخها الذي بدأته منذ النجاة .. لانّا منتصرين
يذاع بعدها أن حزب الله ضرب الرقم القياسي في عدد الصواريخ المنطلقة على اسرائيل .. 150 صاروخ احدثت خسائر بالغة في الممتلكات و عدد من الجرحى ... اتساءل ألا يكتب لنا يا وطن انتصار أكبر من ذلك .. يا نصر الله يا حبيب
,
"
و في الصباح كان كل شيء قد انتهى . أقصد أن كل شيء في المخيم كان قد انتهى. البيوت و البشر و كل شيء. عندما خرجت لحظات في الفجر لم أتعرف على المكان. كان هناك حرائق في البيوت القليلة التي ظلت قائمة، و لهب و دخان يخرج من أنقاض البيوت التي تهدمت. و كان هناك أشخاص قلائل يجوسون وسط الأنقاض. بيحثون عن أقاربهم أو عن جثث أقاربهم و يسعلون مثلي طول الوقت. لم يكن هناك صوت آخر غير السعال و أنين خافت مكتوم لا تعرف إن كان يصدر من البيوت القائمة أو من تحت الأنقاض. ذ
"
يبدو متكاسكاً و هو بيحث عن ذويه .. يقول بنتي صبية عمرها 16 سنة ... و ينها؟؟ .. يلتقط من بين
الأنقاض بقايا انسانية .. لا يعود يتماسك أكثر من ذلك ... مشهد على أحد القنوات الأخبارية
يتحدث آخر عن ولده الذي تركه في بيت جده الأمن من وجهة نظره .. عاد لم يجد البيت و لا الجد و لا الولد .. يبحث عن الرفات و لا يجدها
,
"
و على الأرض كانت الجثث و الأشلاء في كل مكان، و بالذات حول المخابيء. سأشرح لك شيئا عن هذه المخابيء. كانت حفراً في الأرض مغطاة و مبطنة بالأسمنت، و كانت تصلح إلى حد ما ضد الغارات الجوية، لأنه ما لم تخترق القنبلة السقف مباشرة فإن المخبأ يحمي من الشظايا، و لكن مع المدفعية الثقيلة التي كانت تدك البيوت و الأرض تحولت معظم هذه المخابيء إلى مقابر لمن لجأوا إليها. و كانوا يتكدسون بالعشرات أطفالا و رجالا و نساء في هذه المخابيء
"
اذكر نفس الحماسة و الاهتمام المحموم مع بداية الاجتياح الامريكي للعراق .. كيف كنا ذلك الوقت و
كيف صرنا .. اذكر الغضب و التنديد و السخط و الرعب و حوارات الصحاف و مظاهرات التحريرو كلام عما يجب أن نفعله و تبرعات و امدادات .. كل هذا حدث .. علا و علا و علا ثم خبا
" ماني قادرة اشتغل .. احنا رجعنا عشرين سنة لورا "
هكذا قالت سيدة لبنانية من معارفي تعيش بمصر .. حالها يقطر مر .. تغلق باب مكتبها على نفسها منذ الأحداث .. و تذكرنا دائماً بالندبة القديمة و الجرح الجديد .. أن هناك لبنان يحترق في مكان ما
""ذ
يبدأ السخط كبيراً و يتضاءل .. يتضاءل أمام العمل و العائلة و الدراسة و الحديث و الكلام .. يتضاءل أمام ملل القنوات الاخبارية في مقابل الآخرى المختصة بالأغاني .. يموت أيضاً أمام استمرار الحياة من زواج و فرح و مواليد جديدة
عشية قانا الجديدة ألبي دعوة لحفلة صغيرة و اجتماع .. نأكل و نضحك .. ألبي بسرور
في الصباح أكمل اجراءات عمل و سفر
بعد عامين مازالت تطل أخبار العراق علينا .. عيون الناس و هم يطالعون الأخبار تنطق بما يجول بخاطرهم " هما كل يوم يموت منهم كل دول" .. باستنكار .. "هم لسه مخلصوش" ؟
تتحول العراق من جرح ينزف إلى مجرد ندبة صغيرة .. تخفيها كفوفنا حين يشير عليها أحدهم حتى لا تبدو إليه أو إلينا سوءاتنا .. تحولت العراق إلى أخبار نستهل بها نشراتنا الأخبارية .. ثم أخبار تمر في نشراتنا الأخبارية .. من ألم يجتاحنا إلى عناوين تتصدر صحفنا .. إلى أخبار في الصفحات الداخلية .. ثم مجرد أخبار قد لا نلحظها .. أو عمداً نتجاهلها
يصبح الأمر عادياً
.. مجرد أخبار ... مجرد أرقام
,
يقول ابراهيم عيسى في مقاله الأخير في جريدة الدستور الصادرة بتاريخ 26 يوليو 2006
"
أن أخيب حاجة هي الاعتقاد أن هزيمة حزب الله الهدف الوحيد للعدوان الثلاثي (اسرائيل - العرب - أمريكا ) على لبنان، الهدف أعمق و ابعد من ذلك ! الهدف هو ضرب روح الكبرياء و الكرامة داخل الوجدان العربي، و نحطيم رغبة الانتصار لدى المواطن العربي !" ذ
يؤسفني أننا فعلاً من الخيبة لنعتقد ذلك .. يقول لي زميل غير مكترث أن على نفسه جنى حزب الله و لا يلومن إلا نفسه .. نتتهي المناقشة و لا نصل لشيء
و
الشعور بالذنب يتزايد .. لأني أري في نفسي خيانة لا اتحملها .. لأني اتعمد أن أخيب لأصدق ما يقال .. لأاني اعتدت اخفاء الندبات .. لأنهم علموني قديماً أننا وطن واحد .. لأنهم حشوا عقلي في الزمانات أن الوطن العربي واحد و أن وحدة المكان و التاريخ و اللغة و العرض و الدين تعني الكثير.. و لأنهم حدثونا عن جامعة الدول و عن اتفاقية دفاع مشترك .. و لأنهم أصروا أن نحفظ تلك التواريخ .. و لأنني شاركت مقاعد الدراسة مع صبايا لبنانيات و سوريات و فلسطينيات.. و لأن و لأن .. لأني بعد ذلك واجهت واقع مختلف .. لأني صدمت بأشخاص يقولون غير ذلك .. لأني سمعت كلام من زميل غير مكترث .. و لأني سمعت أن الطائفية سبب .. و لأنهم اوهموني أن القدامى باعوا الأرض .. و لأن الكبار قالوا لا نستطيع و لن تقدر و لن نحارب.. و لأني وعيت لأري البلاد حولنا تحترق .. و أرى كل هذا الهوان و الذل .. و أرى أن مئات العرب يساون في الموازين زوج من عسكر الفريق الآخر ..
و لأن المنطق يقول أن الدور قادم لا محالة.. و أنه أقرب مما اعتقدت ..فأنا أخاف أن تنطوي لبنان على أخبارها .. أغزي الشعور بالذنب حتى لا أفقده .. اذكر نفسي أن التاريخ يعيد نفسه و أن الواقع ينتقل من سيئ لأسوأ .. و ان أحداث الـ 82 لا تختلف عن الـ 96 و لا عن الـ 2006 .. ما حدث مازال يحدث و سيظل يحدث .. ما يحدث هناك سيحدث هنا يوماً ما .. أشعر أن اليوم ليس بالبعيد .. اقرأ أكثر لاتذكر .. أصلي كثيراُ لأهدأ .. أخاف كثيراُ و لا جدوي... ذ
________________________________________
**
النصوص بالأحمر من رواية "حب في المنفى" لبهاء طاهر .. أحداث الرواية تخالطها تداخل أحداث الاجتياح الاسرائيلي للبنان في الثمانينات